المجوس والصابئة هم الذين يزعمون أن النجوم مؤثرة في الإنسان والحيوان والأكوان , وهم أنواع :
( 1 ) نوع يعبدون النجوم السبعة السيارة ويعتقدون فيها النفع والضر وقد بنى هؤلاء لهذه النجوم بيوتا وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها ويلبسون لها لباسا خاصا وحلية خاصة وينحرون لها من الأنعام أجناسا خاصة لكل نجم منها جنس زعموا أنه يناسبه .. وكل نجم جعلوا لعبادته أوقاتا مخصوصة كأوقات الصلوات عند المسلمين , واعتقدوا تصرفها في الكون , وهذا هو المعروف عن قوم إبراهيم ( ببابل ) وغيرها وإياهم خاطب فيما حكى الله عنهم متحديا لهم , مبينا سخافة عقولهم وضلال قلوبهم ..
قال الله تعالى : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت .. ) الآيات " سورة الأنعام : 75 , 78 "
( 2 ) ومنها ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد ويجعل لكل حرف منها قدرا من العدد معلوما , ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها ويجمع جمعا معروفا عنده ويطرح منه طرحا خاصا ويثبت إثباتا خاصا وينسبه إلى الأبراج الأثنى عشر المعروفة عند أهل الحساب , ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان .. وكثير منهم يغير الاسم لأجل ذلك , ويفرق بين المرء وزوجه بذلك ويعتقد أنهم إن جمعهم بيت لا يعيش أحدهم .. وقد يتحكم بذلك في الغيب فيدّعي أن هذا يولد له وهذا لا , وهذا الذكر وهذا الأنثى , وهذا يكون غنيا وهذا يكون فقيرا , وهذا يكون شريفا وهذا وضيعا , وهذا محببا وهذا مبغضا , كأنه هو الكاتب ذلك للجنين في بطن أمه , لا والله , لا يدريه نحن الذي يكتب ذلك حتى يسأل ربّه أذكر أم أنثى , شقي أم سعيد , ما الرزق وما الأجل ؟ فيقول له فيكتب , وهذا الكاذب المفتري يدّعي علم ما استأثر الله بعلمه , ويدّعي أنه يدركه بصناعة اخترعها , وأكاذيب اختلقها وهذا من أعظم الشرك في الربوبية ومن صدقه به واعتقده فيه كفر والعياذ بالله تعالى ..
( 3 ) ومنها النظر في حركات الأفلاك ودورانها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها معتقدين أن لكل نجم منها تأثيرات في كلّ حركاته منفردا , وله تأثيرات أخر عند اقترانه بغيره , في غلاء الأسعار ورخصها وهبوب الرياح وسكونها ووقوع الكائن والحوادث وقد ينسبون ذلك إليها مطلقا ومن هذا القسم الاستسقاء بالأنواء ..
( 4 ) ومنها النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين مع اعتقاد التأثيرات في اقتران القمر بكلّ منها ومفارقته , وأن في تلك سعودا أو نحوسا وتأليفا وتفريقا وغير ذلك ..
ومنازل القمر هي التي تسميها العرب الأنواء وهي ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها يسقط في كل ثلاثة عشر ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته , وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما .. فيقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ..
وقد بيّن الله تبارك وتعالى في كتابه أن الشمس والقمر والنجوم آيات من آيات الله سخرها الله لمنفعة عباده , فهي مقهورة معبّدة لخالقها , لا تستحق أن تعبد من دون الله تعالى ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا , فضلا عن أن تملكه لغيرها , قال تعالى : ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) , وقد بيّن الحق أنه أوجد هذه النجوم ليهتدي العباد بها في ظلمات البر والبحر وزينة للسماء ورجوما للشياطين , قال تعالى : ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) وقال : ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) وقال : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسّمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) سورة الصافات " 6 , 10 "
قال قتادة : " إنما جعل الله سبحانه هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء وجعلها يُهتدى بها وجعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به "
وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة , من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا , فكل ذلك خطأ فاحش وفيه كذب فما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والذميم , وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب وقضى الله تعالى أنه ( لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) وروى عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم , والتكذيب بالقدر , وحيف الأئمة )
وروى ابن عساكر وحسنه عن أبي محجن مرفوعا : ( أخاف على أمتي ثلاثا : حيف الأئمة , وإيمانا بالنجوم , وتكذيبا بالقدر ) وروى أبو يعلى وابن عدي عن أنس رضي الله عنه مرفوعا : ( أخاف على أمتي بعدي خصلتين :
تكذيبا بالقدر , وإيمانا بالنجوم )